الجلطة التي أنارت بصيرة عالمة الأعصاب والمخ وهيأت لها الكتابة عن خلجاتها و تدبرتها فأنارت بصائر من يقرأ عنها تباعاً ،فكيف أنارت بصيرتها هذه الجلطة ياترى؟
هل حين اكتشفت ضعفها بطريقة مؤلمة كما وصفت نفسها ب (حيوان جريح و دودة رخوة )حين أصيب انفجار شريان مصاب بتشوه خلقي لم يسبق تشخيصه في الفص الأيسر من المخ (المسؤول عن اللغة والرموز والأماكن والذكريات وترابطها العاطفي ومفهوم العلاقات والمقارنات وكذلك الحسابات ) والذي أدى لنزف شديد في المخ فأعادها إلى جنين يسبح في رحم أمه فتوحدت مع الكون كمادة سائلة؟ وصفت حالها كما لو أنها تسبح في فضاء سمته (العالم المسحور) بين الحلم والواقع وقالت أنها كانت ترى نفسها من الخارج حيث بدا نشاط جسمها خارج عن ذاتها ومشاعرها، فكيف شهدت طبيبتنا مراحل الألم بعين العالم النهم والشغوف بتصميم التكوين البشري الباذخ ؟
تقول العالمة والطبيبة جيل بولتي تيلور :”شهدت بالكثير من الرهبة وظيفة الجهاز العصبي وهو يعمل بتلقائية ويحسب بدقة كل زاوية وحركة في كل مفصل من المفاصل”، ثم تقول بحزن بالغ ماتت الدكتورة جيل والتي كرست حياتها في العلم وبحث الأدمغة وتشريحها وبقيت جيل الطفلة التواقة لحنان أمها وحضنها و علاقتها بها ولعلها أرادت أن تقول “يالغرور الإنسان في الوقت الذي ظنت هي فيه أنها بلغت أوج المجد في علم المخ والأعصاب وحازت لقب أصغر عالمة فيه فإنها كانت تجهل أنها تعاني شرياناً ينزف داخل جمجمتها منذ سنين وأن صداع الشقيقة الذي تعانيه ماهو بشقيقة ولكن تسرب من الشريان المتألم بالعيب الخلقي والذي ظل يحجر الدم المتسرب حتى كون كتلة بحجم كرة القولف اعطبت مخها ومنعت تدفق المعلومات منه وكانت وهي تشرح الأدمغة وتستدل بها على أمراضه محجوبةً عن بركة من الدم التي يسبح فيها فصها الأيسر.
ولقد كانت تجربتها روحية غامرة بالسلام والتعاطف حسب وصفها ،تقول : في الوقت الراهن أقضي الكثير من الوقت في التفكَر بعملية(التفكير) وذلك لأنني وجدت أن عقلي عضو مدهش وكما قال سقراط: ” الحياة التي لا تخضع لتحليل والدرس لا تستحق أن تعاش ” أن لدي قوة إختيار العقل الطافح بالسلام والمحبة (العقل الأيمن) حين أقرر أن أخطو نحو الميمنة واليمن وأختار اللحظة الراهنة ، ولقد أخترت التعاطف مع الآخرين آخذة بعين الإعتبار الكم الثقيل للأعباء العاطفية المؤلمة التي تبرمجنا عليها والتي نظل بيولجياً ننوء بحملها أينما كنا”.
يتكون الكتاب من مقدمة ثم فصلين يشرحان بطريقة مبسطة عمل المخ والفصين وتكوين الجسد الإنساني بشكل عام،..بالنسبة لي سبق وقرأت كتاب (المخ الكامل) لذا فإن قراءة الفصلين الأولين للكتاب كانت داعمة لمعلوماتي السابقة وزادت من ثرائها و أنصح بقراءة كلا الكتابين لسببين أولاً:سهولتهما على القاريء الغير خبير في علوم المخ، ثانيها أن الكتاب السابق يحوي تمثيل وصور إيضاحية والثاني يحمل تجربة حقيقة لعالمة خبيرة وطبيبة أصيبت بجلطة في المخ، بعد الشرح تبدأ الطبيبة في حكاية تجربتها والتي استطاعت النجاة فيها والشفاء الكامل بعد ثمان سنين من عملية استئصال الدم المتخثر الذي كان يعيق تدفق المعلومات في مخها. كتاب الجلطة التي أنارت بصيرتي هو إضاءة لكل شخص يتفكر في نفسه التي أودع الله فيها من روحه عظيم صنعه في تكويننا البشري بالإضافة إلى أنه مرجع هام لمن أصيب بجلطة أو لا قدر الله أصيب أحد من حوله بجلطة حيث ضمنت الكثير من النصائح على صعيد المريض أو الأشخاص الداعمين له كما ضمنت خلاصة النصائح آخر الكتاب و عنونتها ب”مقترحات لتشافي” ختاماً قالت: أن الصحة العقلية للمجتمع تتأسس على الصحة العقلية للأفراد الذين يصنعون المجتمع ، والوعي يهب بنا أن نبدأ القفزة العملاقة الآتية من أجل البشرية وأن نختار الميمنة حتى نستطيع أن نطور هذا الكوكب ونحيله إلى مكان عامر بالمحبة والسلام اللذين نحن إليهما “تقول الميمنة وتذكرني بإستشهاد القرءان الكريم “فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ” .