في منتصف نوفمبر الماضي ذهبت للمشتل لأبتاع نباتات داخلية، حرصت أن تكون قوية تتحمل غيابي عنها، ولا تحتاج لعناية مشددة فلقد عانيت سلفاً مع زهرة الجاردينا الجذابة حيث أنها(دلوعة)! وتحتاج عناية فائقة! جلبنا نبتة الزاميا الأنيقة والقوية مع بعض النباتات الأخرى إضافةً لشتلة صغيرة من الزهور البيضاء الخجولة أهداها لنا البستاني، كانت مغلقة على نفسها بقوة ولكن حمداً لله أصبحت أكثر تفتحا ًو ألفت منزلنا مع الأيام واتسع من قلبي لها حيزاً بهيجاً، وضعتها في قالب حجري عاجي عكس لون البتلات الأبيض من ما جعلها أكثر إشراقاً ً،حتى أطل فجر نوفمبري وبينما أمارس أجمل طقوس اليوم راقني منظرها فجلبتها إلى غرفة المعيشة تأملتها مع تغريد العصافير ونسمات الفجر النورانية  ًفآثرت بقائها في مكاني المفضل ولكن عشية اليوم حدث مالم أتوقعه (على الأقل بهذه السرعة)! عبث بها أطفالي ولم يبقوا منها زهرة واحدة! هوى المكان المقتطع لها من قلبي وأوجعني منظر جذورها المقطوعة، لملمت تربتها و طبطبت عليها لعل شيئاً من التحنان يداويها بعد أن طالتها يد الشغب بلا رحمة! وضعتها في غرفتي.. وفوجئت بعد أسابيع قليله بنمو الأوراق من جديد.. وظهور زهرة جميلة جداً ووحيدة وعلى الرغم من أنها كانت أجمل قبل أن يعبث بها الصغار ولكن فرحتي بها كبيرة ولعلها سعادة البدايات الجديدة، أجمل النعم هي قدرتنا على التشافي والفرص الجديدة التي يمنحها الله لنا وحدها تطيب الخاطر ،وتلائم الجروح، ترمم الشروخ تنسيك كل الثغرات الموجعة،تنسيك أنك قد تألمت،كالماء البارد على الظمأ و الذي بعد أن ترتوي منه تنسى أنك قد عطشت.

لسان حال الزهرة يغني مع أبو القاسم الشابي:

ومن  تعبـدُ  النـورَ   أحلامـهُ        يباركهُ   النـورُ   أنّـى   ظَهر

إليك  الفضاء  ،  إليك  الضيـاء        إليك  الثرى   الحالِمِ   الْمُزْدَهِر

إليك  الجمال  الذي   لا   يبيـد        إليك  الوجود  الرحيب  النضر

فميدي كما  شئتِ  فوق  الحقول        بِحلو  الثمار  وغـض الزهـر

وناجي  النسيم  وناجي  الغيـوم        وناجي النجوم  وناجي  القمـر

وناجـي   الحيـاة   وأشواقـها        وفتنـة هذا الوجـود  الأغـر

وشف  الدجى  عن  جمال عميقٍ        يشب  الخيـال ويذكي   الفكر

ومُدَّ  عَلَى  الْكَوْنِ  سِحْرٌ  غَرِيبٌ        يُصَـرِّفُهُ  سَـاحِـرٌ  مُقْـتَدِر

وَضَاءَتْ  شُمُوعُ النُّجُومِ  الوِضَاء        وَضَاعَ  البَخُورُ  ، بَخُورُ   الزَّهَر

وَرَفْرَفَ   رُوحٌ   غَرِيبُ   الجَمَالِ       بِأَجْنِحَـةٍ  مِنْ  ضِيَاءِ   الْقَمَـر

وَرَنَّ  نَشِيدُ   الْحَيَاةِ    الْمُقَـدَّسِ       في  هَيْكَـلٍ حَالِمٍ  قَدْ  سُـحِر

وَأَعْلَنَ  في  الْكَوْنِ  أَنَّ   الطُّمُوحَ        لَهِيبُ الْحَيَـاةِ  وَرُوحُ الظَّفَـر

إِذَا   طَمَحَتْ   لِلْحَيَاةِ    النُّفُوسُ        فَلا  بُدَّ  أَنْ  يَسْتَجِيبَ  الْقَـدَرْ.

اكتب تعليقك