حكت لنا الدكتورة شادية اثناء دراستي في الجامعة خلال محاضرة ٍ في مادة (التعريب) قسم اللغة الإنجليزية/ كلية اللغات والترجمة/ تفاصيل عن تنصير الأندلس بعد ثرائها بالحضارة العربية وتنعمها تحت لواء الدولة الإسلاميةِ قروناً والتفاصيل بلا شك كانت موجعة بدءاً من قلب المساجد إلى كنائس وانتهاءاً بتمييع اللغة والانسلاخ من الهوية المسلمة ثم حضرها و إزالة كل مايمكن من الحضارة الإسلامية و إجبار الأمراء على التنصر أو القتل في حال الرفض .. ووو تقت حينها للقراءة عن الأندلس وكذلك ملئتني رغبة في زيارة اسبانيا والبكاء على الأطلال!
.. زرت اسبانيا بعد ذلك عام ٢٠١٥ ميلادي وكانت جميلة جداً مع آثار خجولة ممحوة من الحضارة الإسلامية ،سكنا بمحاذاة شارع الرملة(الرامبلا) في برشلونة وقرب القصر الملكي في مدريد .. تلقفتني عيون العجائز بالازدراء والمقت الشديدين كما لو انني قتلت أجدادهم بنفسي ( على أن الموضوع معاكس وقد انتقموا “إذا كان ” بشراسة ) بينما كانت فئة الشباب أكثر انفتاحاً وتسامحاً .. و في طريقنا من برشلونة إلى مدريد بالسيارة مررنا على بعض القلاع والمساجد المحولة إلى كنائس والتي تثير إحساسا مؤلماً بالوحشة والهوان وجسر يدرع مدريد ويحميها مبني بطابع البناء الإسلامي غير أنه مهدم و صار من الآثار التي لم تمحى لكنها كانت مهملةً لم ترمم .. في بالنسيا كان الناس أكثر تعصباً أيضاً كما يغلب عادةً على القرى و البلدان الصغيرة ..
انعشت انغماستي في قراءة رواية (ثلاثية غرناطة) للكاتبة رضوىعاشور تلك الذكريات و التي أعادت لي تفاصيل تلامس الوجدان أكثر من شرح الدكتورة وذلك لأنها صيغت بأسلوب أدبي وجداني بالدرجة الأولى .. كحرق الكتب والذي أحرق قلب أبو جعفر الوراق المهتم بالعلم والذي يغدق على معلمي حفيديه حسن وسليمة .
كذلك منع قراءة المخطوطات والكتب العربية بما فيها المصاحف والتيجعلت مريمة تتوجع وتحزن وقد بلغت من العمر عتياً والتي قضته وهيتكافح من أجل البقاء وتعليم اطفالها العربية رغماً عن قرار منع تعليم اللغةالعربية وفرض اللغة القشتالية بدلا ًمنها.. وكذلك إبدال الأسماء العربية بأسماء أعجمية، تعميد المسلمين والمسلمات وتنصيرهم/هن . منع الشعائرالدينية و فرص الحضور في الكنائس .. حرب معلنةُ على العرب مما اضطرالغالبية إلى الهجرة ومن لم يهاجر فعليه الإنصياع والخضوع والمداهنة وإلا سيسجن ويحاكم! الرواية من أجمل الروايات والتي تجلي الروح العربية الغيورة في الأديبة رضوى .. وهي طويلة جداً تحكي قصة نعيم و سعد اللذان كانا يلوذان بأبي جعفر وهما صبيان وتنتهي بوفاتهم كهولاً ! لكنها ممتعة ومثرية ومليئة بحزن الأندلس والخنجر المغروس غيلةً في كبد أمجادها
دهى الجَزيرَة أَمرٌ لا عَزاءَ لَهُ
هَوَى لَهُ أُحُدٌ وَاِنهَدَّ ثَهلانُ
أَصابَها العينُ في الإِسلامِ فاِرتزَأت
حَتّى خَلَت مِنهُ أَقطارٌ وَبُلدانُ
فاِسأل بَلَنسِيةً ما شَأنُ مرسِيَةٍ
وَأَينَ شاطِبة أَم أَينَ جيّانُ
وَأَين قُرطُبة دارُ العُلُومِ فَكَم
مِن عالِمٍ قَد سَما فِيها لَهُ شانُ
وَأَينَ حمص وَما تَحويِهِ مِن نُزَهٍ
وَنَهرُها العَذبُ فَيّاضٌ وَمَلآنُ
قَوَاعد كُنَّ أَركانَ البِلادِ فَما
عَسى البَقاءُ إِذا لَم تَبقَ أَركانُ
تَبكِي الحَنيفِيَّةُ البَيضَاءُ مِن أَسَفٍ
كَما بَكى لِفِراقِ الإِلفِ هَيمَانُ
عَلى دِيارٍ منَ الإِسلامِ خالِيَةٍ
قَد أَقفَرَت وَلَها بالكُفرِ عُمرانُ
حَيثُ المَساجِدُ قَد صارَت كَنائِس ما
فيهِنَّ إِلّا نَواقِيسٌ وصلبانُ
حَتّى المَحاريبُ تَبكي وَهيَ جامِدَةٌ
حَتّى المَنابِرُ تَبكي وَهيَ عيدَانُ
يا غافِلاً وَلَهُ في الدهرِ مَوعِظَةٌ
إِن كُنتَ في سنَةٍ فالدهرُ يَقظانُ
وَماشِياً مَرِحاً يُلهِيهِ مَوطِنُهُ
أَبَعدَ حِمص تَغُرُّ المَرءَ أَوطانُ
تِلكَ المُصِيبَةُ أَنسَت ما تَقَدَّمَها
وَما لَها مِن طِوَالِ المَهرِ نِسيانُ
ابو البقاء الرندي