كان من ضمن قائمتي التي اشتريتها مرةً من معرض الكتاب كتاب “خوارق اللاشعور” لدكتور علي الوردي! وكنت حينها طالبة جامعية مغمورة بالإختبارات والمشاريع البحثية لذا أختلس من الوقت لأقرأه حتى توقفت وأنا أشعر بالدوار! خابت توقعاتي المسبقة بأسلوب الكتاب المباشر لأني اكتشفت انه مليء بأفكار الكاتب الكثيرة وفلسفاته فضلاً عن نظريات العلماء وتفصيله بالحديث عن المجتمع وابن خلدون والطبقية والعقل الباطن! لكني قبل أسابيع من اليوم وجدته ساكناً على الرف فأثار إهتمامي لإعادة قراءته ولكن هذه المرة بطاقة إستيعاب أكبر!
قبل أن ألخص الكتاب ماهي الروح ؟
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85
الروح ليست من عالم المادة الذي نعرفه ولكنها من عالم الغيب الذي نجهله،واستئثر الله بعلمه.وحين نقول روح الشيء يعني حياته ،فالجسد مع الروح يسمى نفساً وبدونها مجرد جسد! قال الله ﷻ: ﴿ وكذلك أوحينا إليك روحا ﴾ قال السعدي رحمه الله: ” سُمّي القرآن روحاً لأن الروح يحيا به الجسد، والقرآن تحيا به القلوب والأرواح ”
عودة للكتاب يقول علي الوردي:
” الروح هي عقل اليقين والعقيدة،بينما العقل الظاهر هو عقل الشك والبحث والتفلسف
ينتقد بعض الكتاب القرآن الكريم لأنه يكرر القصص وآيات الوعظ مرة بعد مرة ويذكر الله وآثاره سبحانه في الكون في كل صفحة من صفحاته. ومادرى هؤلاء بأن هذا التكرار الذي ينتقدونه هو الذي طبع في نفوس المسلمين هذا الإيمان العميق وجعلهم يصلون بأمجادهم لكسرى وقيصر في سنوات معدودة. إن كلمة تكرر قولها على نفسك مرة بعد مرة لقادرة أن تطلع في عقلك الباطن شيئاً من الإيمان بها،والإيمان يزلزل الجبال!
إن العبادة الحقة تبعث الثقة والطمأنينة في قلب الإنسان وتجعله متفائلاً يسير في الحياة وهو معتقد بأن هناك رباً يرعاه ويعينه على حل المشكلات
وكثيراً مايكون أنفع الأشياء أهونها وأيسرها ولكن يسره وسهولة مناله تجعل الإنسان لا يصدق أنه ثمين ونافع سيما إذا كان معتاداً أن لايحصل على الشيء الثمين إلا بعد مشقه”
لقد دل تاريخ العظماء على أنهم أكثر الناس عملاً وسعياً وقوة إرادة ولكنهم مع ذلك اعتادوا أن يستجموا بعد العمل فيتركوا عقولهم الباطنة سارحة كما تشاء .فأي شخص ماهر في مختلف الفنون والحرف والصناعات دؤووب كادح حين يتمرن على فنه ويتعلم مبادئه ولكنه عند الإنتاج ينسى نفسه وينغمر في عمله ويصبح كالحالم الذي لا وعي له ولا إراده.”
- ماهي العبقرية؟
العبقرية هي خروج عن الذات وانغمار في عالم أسمى وأوسع
يعتقد “شوبنهور” الفيلسوف الألماني ، أن العبقري يختلف عن الفرد العادي بشيء واحد وهو قلة التقيد بما يتقيد به عامة الناس من إندفاع في سبيل الحياة وتنازع على البقاء،ويقول أنها القوة التي تجعل الفرد يهمل مصالحه ورغباته لمدة معينة بحيث يكون فيها أداة خالصة للمعرفة والنظر في الكون نظراً نقياً.
أما”برجسون” الفيلسوف الفرنسي
فيقول إن الإنسان ميال بطبيعته إلى موافقة الجماعة التي ينمتي إليها،أما العبقري فيشعر أنه ينتمي إلى البشرية جمعاء،ويرى أنه ينغمس في ساعة الإبداع فيغيب عن وعيه ويدخل فيما يشبه الغيبوبة ،فيتحد حينذلك مع الدفقة الحيوية الكبرى التي تسيَر الكون،ويستشف من الحقيقة المطلقة ما لا يستطيع أن يستشفه المنغمسون في همومهم المحدودة.
أما جيمس فيقول إن الفرق بين العباقرة وغيرهم من العاديين ليس موهبة فطرية بل غاية يوجهون إليها هممهم،ودرجة تركيز يسعهم أن يبلغوها”
الشخص العادي لا يستطيع أن يجمع في نفسه العادات المتناقضة،فهو لا يستطيع أن يستثمر عقله الباطن والظاهر معاً،فهو إما أن يكون قوي الإرادة أو كسولاً في كل حين أما ميزة العبقرية فالعبقري يستطيع أن يكون قوي الإرادة وشديد العزم متى شاء وأن يكون كسولاً متراخياً عند الحاجة.
- في أي عمر يكون الشخص عبقرياً ؟
يقول مارستون” ولقد أوتينا جميعاً هذه القدرة على التركيز ولكننا ندعها تضيع،” ويقول الدوس هسكي “إن كل طفل عبقري حتى يبلغ العاشرة” وهل هناك منظر أعظم ممايبدو عليه الطفل وهو يعكف على كتاب؟ أو يسترعي اهتمامه شيء جديد؟ وكثيراً مانؤنب الطفل حينئذ لأنه لا يلقي باله على مانقول ولكن الواقع أنه منصرف بقلبه وعقله انصرافاً رائعاً إلى أمر يعنيه، ومن واجبنا أن نتقي على قدر الإمكان إفساد هذه القدرة المباركة على الإهتمام الجدي بشيء ما
المبدع في عمله يكون أثناء العمل في غاية الهدوء والاسترسال ، فتراه كالطفل الذي شغف باللعب فانهمك فيه وغفل عما حوله من الناس والأشياء.